هكذا أعربت الأم عن امتنانها للإسرائيليين بعد أن وضعت مولودها داخل المستشفى الإسرائيلي الميداني في بورت أو برنس عاصمة جزيرة هاييتي التي ضربها زلزال مدمر فجر الثلاثاء و قتل نحو 200 ألف شخص وأصاب نحو ربع مليون آخرين، فضلا عن نحو 1.5 مليون مشرد وسط دمار واسع.
ووفق تقرير نشرته شبكة اسلام اون لاين، فما أن أنهت الأم حديثها مع الطبيب الإسرائيلي الأحد 17-1-2010 حتى كان الخبر على التليفزيون الإسرائيلي بقنواته المختلفة والمواقع الإلكترونية للصحف الإسرائيلية، وبينها "هآرتس".ومن "هآرتس" إلى "يديعوت أحرونوت" مع قصة مختلفة، لكن "الإسرائيليين هم أبطالها أيضا"، فمن تحت الأنقاض بعث "جليس" (58 عاما) برسالة نصية من هاتفه الجوال تحتوي على "علامة الحياة".
على الفور توجه فريق الإنقاذ الإسرائيلي إلى موقع الهاتف الجوال الذي حددته الجهات المختصة ليجد معدات إنقاذ خلفها فريق يبدو أن أفراده غادروا المكان بعد أن فشلوا في تحديد مكان "جليس" بالضبط.
لكن اليأس لم يعرف طريقه إلى الإسرائيليين، فانخرطوا في عمل مضن لمدة سبع ساعات إلى أن نجحوا أخيرا في الوصول إلى "جليس" لينهوا 120 ساعة قضاها تحت الأنقاض، وليصفق الأهالي صائحين: "نحب إسرائيل"، وفقا لما نقلته "يديعوت أحرونوت" الأحد عن أحد أعضاء الفريق الإسرائيلي.
هكذا ساعة بساعة تتابع وسائل الإعلام الإسرائيلية ردود الأفعال على جهود فريق الإغاثة الذي أرسلته تل أبيب إلى هاييتي في البحر الكاريبي الخميس الماضي، ويضم تجهيزات طبية و220 شخصا، بينهم 40 طبيبا و20 ممرضا و24 ممرضة وفريقا تقنيا ورجال إنقاذ من قيادة الجبهة الداخلية بالجيش الإسرائيلي.
مقاطعة وعزلة
تلك المتابعة الإعلامية الآنية والمكثفة من هاييتي تعكس -بحسب مراقبين- سعي إسرائيل عبر جهود الإغاثة الإنسانية في الجزيرة وغيرها من الدول المنكوبة إلى تحسين صورتها التي تضررت بشدة في الخارج بعد المشاهد "البشعة" للضحايا التي نقلتها وسائل الإعلام من قطاع غزة خلال الحرب الإسرائيلية على القطاع ما بين 27-12-2008 و18-1-2009، واتهام الاحتلال بارتكاب جرائم حرب وربما جرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين.
فقد أودت هذه الحرب بحياة أكثر 1400 فلسطيني، وأصابت أزيد من 5400 آخرين بجروح، نصفهم تقريبا أطفال ونساء، فضلا عن الدمار الواسع في أرجاء القطاع الذي يقطنه نحو 1.5 مليون فلسطيني، وذلك مقابل مقتل 13 إسرائيليا، بينهم ثلاثة مدنيين.
ومنذ يناير الماضي تواجه إسرائيل انتقادات خارجية غير مسبوقة حتى من بعض المتعاطفين معها، وتتصاعد الدعوات الشعبية في الغرب لمقاطعتها سياسيا واقتصاديا وأكاديميا لما اقترفته في غزة، وهو ما تشعر معه إسرائيل بعزلة دولية تتسع رقعتها.
هل ذهبتم إلى غزة؟
على عكس التقدير والإشادة بالدول التي هبت لإغاثة نحو ثلاثة ملايين متضرر يمثلون نحو ثلث سكان هاييتي، ومن بينها دول عربية وإسلامية، فإن منتقدين داخل وخارج إسرائيل يؤخذون على تل أبيب إرسال مساعدات عاجلة إلى الجزء الغربي من الكرة الأرضية، حيث تقع الجزيرة، فيما أطفال غزة في الجوار محاصرين منذ قرابة ثلاث سنوات، ويموت بعضهم لعدم توافر العناية الطبية.
ففي مقال له نشرته "يديعوت أحرونوت" الأحد يتساءل الكاتب الإسرائيلي سيفر بلوتسكر مستنكرا: أليس من الأفضل بناء مستشفى ميداني لأطفال غزة بدلا من إرساله إلى منطقة نائية (هاييتي) لا نعرف لغتها أو عاداتها، وبالكاد يمكن أن نساعدها؟!
ويوضح بلوتسكر أن الفريق الإسرائيلي ذهب إلى هاييتي لمهمتين: انتشال ناجين من تحت الأنقاض، وهو ما يبدو أنه بات متعذرا منذ الآن لكون المدة الزمنية التي انقضت منذ وقوع الزلزال وحتى وصول طواقم الإنقاذ يقلص تقريبا إلى الصفر فرص العثور على أحياء بين الأنقاض.
وبالنسبة للمهمة الأخيرة، وهي إقامة مستشفى ميداني، فرغم أنها مهمة جديرة بالاحترام، فإنها ليست مميزة، إذ إن الأمريكيين والكنديين والفرنسيين والبريطانيين والأرجنتينيين والبرازيليين نصبوا بسرعة عيادات ومستشفيات، بحسب الكاتب الإسرائيلي.
ثم يعود بلوتسكر إلى التساؤل الاستنكاري قائلا: "عندما يكون على مسافة صفر من مركز البلاد (إسرائيل) يعيش في غزة أطفال يحتاجون لرعابة طبية عاجلة أليس من العدل التبرع لهم بمستشفى ميداني لعله يقلل سور العداء بضع ميليمترات؟!".
ويختتم الكاتب الإسرائيلي مقاله بالقول: "ليس على إسرائيل مسئولية تجاه هاييتي، إلا مسئولية الإنسان تجاه الإنسان، لكن عليها مسئولية غير مباشرة تجاه غزة، ففي حملة الرصاص المصبوب (الاسم الإسرائيلي للحرب على القطاع) قتلت نيراننا عشرات الأطفال دون ذنب اقترفوه؛ لذا لا ينبغي أن تتفاجأ الطواقم الإسرائيلية في هاييتي إذا اصطدمت بالسؤال الاستفزازي: هل ذهبتم أولا إلى غزة؟!".
No comments:
Post a Comment